تقرير المؤتمر الإقليمي ”استعادة مستقبلنا” أي دور لصندوق النقد الدولي في أزمات اليوم؟

تقرير المؤتمر الإقليمي:

”استعادة مستقبلنا”

أي دور لصندوق النقد الدولي في أزمات اليوم؟

08/09 أكتوبر/ تشرين الأول 2023

مراكش – المغرب

المعهد العربي للبحوث والسياسات –نواة

على هامش اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي احتضنتها مدينة مراكش بالمغرب في الفترة الممتدة ما بين 09 و15 أكتوبر 2023، نظمت مؤسسة Ibon International بشراكة مع المعهد العربي للبحوث والسياسات – نواة، وكذلك مجموعة من منظمات المجتمع المدني الإقليمية ومجموعة من الحركات الاجتماعية مؤتمراً إقليمياً تحت شعار “استعادة مستقبلنا”.

يهدف هذا المؤتمر لمناقشة أهم التحديات المرتبطة بالمجال التنموي والبيئي والاقتصادي التي تخص المنطقة العربية ودول إفريقيا والجنوب العالمي في ظل السياسات التعسفية لمؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وقد اجتمع أكثر من 80 مشاركاً من مختلف المنظمات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم في هذا المؤتمر، والذي أقيم في نادي جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، تضامناً ضد التدخلات النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي وتأثيراتهما على حقوق الأفراد والمجتمعات وسيادتهم.

تم افتتاح هذه الفعالية بعد تقديم معهد نواة لكلمة افتتاحية باسم أعضاء مجلس إدارة المعهد العربي للبحوث والسياسات -نواة، وقد عرفت هذه الفعالية برنامجاً غنياً تضمن 12 ورشة عمل نظمتها مجموعة من المنظمات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني حول قضايا شائكةّ: العدالة المناخية والنوع الاجتماعي والديون والتقشف. كما انضم فريق عمل غلاسكو ‘’ the Glasgow Actions Team’’ لمؤتمر “استعادة مستقبلنا” وتم عرض مجموعة من الأعمال الفنية لتوجيه رسالة لقادة العالم من أجل العدالة المناخية والاجتماعية بالعالم.

السياق العام:

لعب صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي منذ تأسيسهما أدواراً حاسمة في استدامة الاقتصاد الاستعماري الجديد الحالي، الذي امتص موارد وثروات دول الجنوب وإفراغ اقتصاداتها المحلية لصالح الأوليغارشية المالية والشركات متعددة الجنسيات والنخب من الشمال والجنوب. حيث أجبر هذا الوضع الأفراد في تلك البلدان على العيش تحت أجور هزيلة، وظروف عمل غير ملائمة، وفقدان ملكية أراضيهم، مما يدفعهم إلى الهجرة القسرية بحثاً عن سبل عيش أفضل.

فقد أدت تدخلات صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي في البلدان الجنوبية، بدءاً من برامج التكيف الهيكلي وشروط السياسات الحالية، إلى زيادة تحرير اقتصادات تلك البلدان وإلغاء القوانين التنظيمية أمام نهب الشركات الأجنبية، ودمرت البنية التحتية والخدمات العامة مع تفعيل سياساتها من خلال فرض شروط للاستفادة من القروض، واستخدام الدين كآلية استعمارية بديلة وفرض هيمنتها لاستخراج والاستفادة من الثروة.

كما ساهمت تدابير التقشف التي يقودها صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، مثل تخفيضات ميزانية التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والنقل العام وفاتورة الأجور والدعم؛ وإصلاحات الضمان الاجتماعي/الحماية والعمل؛ والخصخصة/الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الخدمات العامة في نقل عبء الأزمات وثقلها على شعوب دول الجنوب، وخاصة على النساء والعمال والمزارعين والشعوب الأصلية. كل هذه المعاناة الإنسانية تعتبر غير ضرورية، كون الحكومات لديها العديد من بدائل التمويل لدعم الخدمات العامة، والضمان الاجتماعي، وإعمال حقوق الإنسان.

كما يعمل نهج التمويل الخاص أولاً الذي يتبناه البنك، والذي يتلخص في نهجه التعاقبي السائد المتمثل في تقليص المخاطر بالنسبة للمستثمرين، على تعزيز سلطة رأس المال المالي والشركات الكبرى في التنمية. حيث يتم الترويج النشط للبنوك للشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتمويل المختلط، والاستثمارات الأجنبية كحلول للأزمات، مما يضع الجهات الفاعلة الأساسية التي يتميز سجلها باستخراج الموارد، والسباق إلى أدنى مستويات الأجور، وانتهاكات حقوق الإنسان، والعنف، وتدمير البيئة محراب الأولويات. إن تخصيص الأصول الاحتياطية الدولية لصندوق النقد الدولي يتبع الأنماط الاستعمارية حيث أنه تم توفير 160 مليار دولار أمريكي لأوروبا مقارنة بـ 34 مليار دولار أمريكي في أفريقيا سنة 2021.

وتحت ذرائع مختلفة، من دعم الحكومات الصديقة للسوق إلى بناء السلام، دعم صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي تاريخياً الأنظمة الاستبدادية ــ من شيلي إلى الفلبين ــ فضلاً عن السياسات التي قوضت سيادة الشعوب. واليوم، تفتخر مجموعة البنك الدولي بأنها خضعت لعملية إصلاح من خلال خارطة طريق التطور الخاصة بها حتى تتمكن من الاستجابة بشكل أفضل للأزمات المختلفة التي تواجه العالم.

أهم الخلاصات:

سلطت هذه الورشات، والتي كانت في المجمل عبارة عن موائد مستديرة وجلسات تفاعلية، الضوء على مجموعة من القضايا الجوهرية، أهمها الأنظمة الغذائية والزراعة، على اعتبار أن السيطرة النيوليبرالية هي السبب وراء أزمة الغذاء العالمية اليوم، وقد تم عرض مجموعة تجارب حية لساكنة الأرياف حول كيف أدت إملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي النيوليبرالية إلى إفقار حياة وسبل عيش الفلاحين الصغار.

وفي تحدٍ للمسار السائد المتمثل في استغلال العمل المناخي وعدم المساواة بين الجنسين في خدمة النمو ودور صندوق النقد الدولي في ذلك، تم تقديم تحليلات من خلال عدة منشورات جديدة، لتحدد رؤية نظامية نسوية للتحول الهيكلي، كما تم اقتراح بدائل سياسية ملموسة نحو اقتصاد متلائم مع الحقوق يستجيب لحاجيات المجتمع ككل. وقد حدد المتحدثون التحولات المطلوبة لخلق بيئة اقتصادية كلية تمكينية للعمل على الحقوق الاقتصادية للمرأة والمناخ بدلاً من تعزيز النموذج الاستخراجي الحالي للنمو القائم على سيادة الناتج المحلي الإجمالي.

كما تمت الدعوة من خلال هذه الورشات إلى توفير المساحة لمجموعات العدالة المناخية والبيئة في دول الجنوب العالمي لتحديد مسؤولية صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي بشكل مشترك في تسريع أزمات المناخ والتنمية، حيث تزعم هذه المؤسسات أنها مناصرة للمناخ وتوجه العمل المناخي للدول في حين تفشل في الاعتراف بمسؤوليتها عن إحداث الأزمة في المقام الأول في حين تظل غير ديمقراطية وغير خاضعة للمساءلة.

فعلى الرغم من الدور الضخم الذي تلعبه بنوك التنمية المتعددة الأطراف في توجيه الموارد المالية للمشاريع المرتبطة بالمناخ في البلدان الأعضاء، فإن المجتمع المدني والحركات الشعبية تنتقد الدور الإشكالي للغاية الذي تلعبه بنوك التنمية المتعددة الأطراف نظراً لقلة الشفافية، وتدني الجودة، والطبيعة غير الميسرة للغاية لتمويلها للمناخ. كما أثيرت مخاوف بشأن آثار بنوك التنمية المتعددة الأطراف في تمويل المناخ على مبادئ العدالة الأساسية، ومخاطر المزيد من إضعاف البلدان الفقيرة والمتخلفة النمو نظراً لاستمرار هيمنة البلدان المتقدمة على طاولات مفاوضات بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وإضفاء الطابع المؤسسي على العمل المناخي. ويسعى هذا الحدث الجانبي إلى تفكيك الدافع الحالي لتوسيع دور بنوك التنمية المتعددة الأطراف في العمل المناخي، والمقترحات الحالية لدور أكبر في تمويل المناخ وتأثيراتها على الإنصاف والعدالة والحقوق ومطالب الشعوب.

لقد كان تمويل المناخ أداة تعاون في أيدي التعددية النيوليبرالية، في حين يمكن تحويله إلى فرصة من أجل: إعادة توزيع الموارد المالية داخل البلدان وفيما بينها، وزيادة الإيرادات الحكومية لتمويل الإنفاق العام والاجتماعي. وبعبارة أخرى، يمكن أن يعزز فعالية التنمية إذا تم استخدامه بما يتماشى مع المبادئ والممارسات الجيدة لتمويل التنمية. وقد تم خلال هذه الجلسات مناقشة كيف قامت المؤسسات المالية الدولية، وخاصة مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بمنع الديون المناخية من أن تكون فرصة للحد من عدم المساواة بين البلدان وداخلها وكذلك التمويل. الخدمات العامة/الاجتماعية. كما تم تسليط الضوء على موجات النشاط ضد هذا الوضع الفعلي، مع التركيز على المطالب والمظالم المعبر عنها فيه، والاستفادة من إمكانات هذه الحركات في إحداث تغيير فعلي. أخيراً، هدفت الجلسات إلى اقتراح حلول مجدية للعدالة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، كجزء من التحولات الأكبر والتدريجية في النماذج الاقتصادية والإنمائية التي تدعمها المؤسسات المالية الدولية.

كما عرضت هذه الجلسات التفاعلية سياسات التقشف الجديدة التي أوصى بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي نفذتها معظم وزارات المالية، بدءًا من التخفيضات في الخدمات العامة والضمان الاجتماعي/الحماية الاجتماعية، إلى إصلاحات الخصخصة ومرونة العمالة، مما يؤثر على أكثر من 6 مليارات شخص. فإن كل المعاناة الإنسانية التي تسببها هذه الإصلاحات ليست ضرورية: فهناك بدائل يمكن حتى لأفقر البلدان تنفيذها لتحقيق حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.

كما كشف المشركون في هذه الجلسات عن آثار تحيز القطاع الخاص من قبل مؤسسات تمويل التنمية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، مثل مجموعة البنك الدولي، مع تسليط الضوء على الآثار السلبية للخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص المنفذة في كل من جنوب العالم وشماله. وقد تم تبادل الخبرات من حملات منظمات المجتمع المدني المستمرة ودراسات الحالة لكشف هذه الممارسات. وفي أعقاب الأزمات المتعددة والمترابطة، يعد تعزيز التمويل الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص حلاً زائفًا يجب التصدي له من خلال دعوة قوية لتقديم خدمات عامة عالية الجودة.

وقد تدارست هذه الجلسات أيضا أجندة البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى لتعزيز الرقمنة والنهوض بها، والطرق التي تعيق الوصول إلى الضمان الاجتماعي وتؤدي إلى تفاقم عدم المساواة. كما تمت مناقشة دراسات حالة عن أضرار حقوق الإنسان التي يسببها البنك الدولي وغيره من المبادرات التي تمولها المؤسسات المالية الدولية لإنشاء أو تعزيز الحكومة الرقمية، مثل إنشاء سجلات اجتماعية لدعم برامج المزايا النقدية التي تم اختبارها على نطاق ضيق، وأنظمة الهوية الرقمية للتحقق والمراقبة، وهوية المستفيدين، وأنظمة الدفع الإلكتروني لتوصيل المساعدات النقدية. وقد ناقش المشاركون أيضا كيف يوفر الضمان الاجتماعي الشامل إطاراً مفاهيمياً وسياسياً بديلاً لتعزيز الابتكار التكنولوجي الذي يساعد أنظمة الضمان الاجتماعي على تحقيق التغطية الشاملة وضمان فوائد كافية للجميع.

وقد كان الهدف من هذه أوراش العمل التفاعلية هو الجمع بين الحركات الاجتماعية ونشطاء المجتمع المدني والتعاون بينهم من أجل:

  • تعزيز رؤية مشتركة للتغيير ووضع استراتيجية حول طرق بناء القوة الجماعية لتحقيق ذلك
  • تبادل وجهات النظر والدعوة للتفكير في كيفية إعادة تشكيل معايير حقوق الإنسان للنظام المالي العالمي.
  • رسم خريطة جماعية لأوجه التآزر بين هذه الرؤى والبدائل الأخرى المرتكزة على مبادئ العدالة المناخية والاجتماعية.
  • تبادل الأفكار حول استراتيجيات فعالة لتعزيز هذه البدائل التي تعتمد على التنظيم عبر الحركات.
  • تعزيز علاقات جديدة وتوسيع دائرة التعاون مع منظمات مجتمع مدني عبر دول العالم.

أهم المخرجات:

واختتم المؤتمر يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول بإصدار بيان تم من خلاله مساءلة وانتقاد السياسات التعسفية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والتي تتناقض مع أهداف التنمية وتحميله والمؤسسات التابعة له كامل المسؤولية في تفاقم الأزمات، وتعرض حقوق الشعوب للخطر، بما في ذلك المساس بحقهم في رسم المسارات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بهم.

وقد دعت الفعاليات المشاركة من خلال هذا البيان إلى المطالبة بمحاسبة صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي وتحميلهما المسؤولية في إحداث وتفاقم الأزمات المتعددة، وكذلك معارضة الحلول الزائفة والقائمة على السوق التي يقدمها صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لحل أزمة الغذاء والمناخ العالمية، كونها تزيد من تقويض سيادة الشعوب على الطعام وتقييد موارد البلدان النامية المخصصة للتكيف والتخفيف. باعتبارها ”حلول” لا تخدم إلا مصالح القوى العالمية لضمان استمرار شركاتها في استخراج أرباح فائقة مستغلة هذه الأزمات.

ثم معارضة تمويل البنك الدولي لنفس مشاريع البنية التحتية والطاقة، ومشاريع الطاقة الكهرومائية الضخمة (كتمويل الوقود الأحفوري) في أراضي السكان الأصليين، والتي غذت الصراعات والانقسامات في المجتمعات المحلية، وتسببت في ندرة المياه، وتفاقم الفيضانات كما حدث في باكستان.

معارضة ورفض “الحلول” النيوليبرالية، باعتبارها لا تهتم بالتغيير، بل فقط بإعادة صياغة النموذج الاقتصادي الذي يستند إلى منطق الربح تحت مظاهر جديدة، واستغلال الشعوب وأجنداتهم لتعزيز وتنظيف الصورة لصالح مصلحة الشركات الكبيرة والنخب. إضافة إلى رفض خارطة الطريق التنموية التي وضعها البنك الدولي باعتبارها محاولة لمحو دور البنك في دفع أزمات اليوم، وتأكيد شرعيته كمؤسسة نامية على الرغم من سجله الحافل، ومواصلة هيمنته على الاقتصاد التنموي لدول الجنوب. كما تمت الدعوة إلى إغلاق هذه المؤسسات وإنهاء تدخلاتهم غير العادلة في البلدان النامية ومحاسبتهم على الديون الهائلة، والاقتصادات المحررة، التي ساهمت في انتهاك حقوق الشعوب.

كما تمت إدانة استراتيجيات النوع والمساواة بين الجنسين التي يتبعها صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، والتي تستغل الخطاب النسوي لتمويه التفويضات الرامية إلى خصخصة الخدمات الاجتماعية، وتحرير الاقتصادات وتحريرها من القيود التنظيمية لموصلة استغلال عمل النساء والفتيات في أماكن العمل والمجتمعات المحلية لتحقيق أرباح الشركات الكبرى.

وفي الأخير، فاستعادة مستقبل الشعوب، هو استعادة للتاريخ أيضاً لتاريخ يرتكز على تعزيز سيادة الشعوب وخال من أي شكل من أشكال الاستعمار الجديد، وغير مبني على التوجه النيوليبيرالي المؤيد للشركات الكبرى الذي يتبناه صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي.

لتحميل الملف، المرجو الضغط على الرابط أسفله:

تقرير المؤتمر الإقليمي ”استعادة مستقبلنا” أي دور لصندوق النقد الدولي في أزمات اليوم؟


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...