مكانة مراكز الفكر في الحقل الإعلامي العربي

نظم المعهد العربي يومه الجمعة الموافق ل 8 يوليوز/ تموز 2022، ندوة افتراضية حول موضوع: “مكانة مراكز الفكر في الحقل الإعلامي العربي”، شارك فيها كل من الدكتورة نبيلة سعيد، صحفية مهتمة بالشأن الإنساني باليمن، والدكتور ديدي ولد السالك، أستاذ بجامعة نواكشوط، والرئيس المؤسس للمركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية بموريتانيا، والدكتور محمد عبد الوهاب العلالي دكتور في علم الاجتماع وأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالمغرب، وقد ترأست أشغال هذه الندوة الدكتورة حياة الدرعي، متخصصة في التواصل السياسي، نائب رئيس المعهد العربي للبحوث والسياسات نواة.

تتجلى أهمية هذا الموضوع في إطار السياق الذي يشهده العالم العربي فيما يخص تأثير مراكز الفكر والبحوث العربية وحضورهم في الساحة الإعلامية العربية، والذي يتميز بالتراجع الكبير لدور هذه المراكز في عملية التأثير والحضور الضعيف أو الشبه منعدم لها داخل المشهد الإعلامي العربي، هذا يدفعنا لطرح مجموعة من علامات الاستفهام والتي حاولنا من خلال هذه الندوة الإجابة عنها  من خلال تشكيلة تجمع ما بين المختص والفاعل المدني والفاعل في الحقل العملي لمحاولة إعطاء رؤية شاملة ومحاولة الخروج بتوصيات وآراء لمحاولة تعميق التفكير في هذا الموضوع.

ولعل أهم الأسئلة المحورية التي طبعت هذا اللقاء، ما طبيعة العلاقة التي تربط بين مراكز الفكر والمؤسسات الإعلامية والتحديات المطروحة؟ أية استراتيجيات وعوامل لتحفيز التفاعل والتقارب بين مؤسسات الفكر والإعلام؟ وكيف يمكن استثمار هذا الأخير في عملية التأثير على صانع القرار؟ ما هو تأثير الإعلام المجتمعي وكيف يسهم في التشبيك بين مراكز البحث والإعلام عبر منصات الفضاء الافتراضي المختلفة؟ وكيف تتعامل مراكز الفكر مع الإعلام من حيث الاستراتيجية، الكادر، ومنصات التواصل الاجتماعي.

وجوابا على هذه الأسئلة المحورية، استهلت أولى مداخلات هذا اللقاء الدكتورة نبيلة سعيد في مداخلة بعنوان ”الإعلام: استراتيجية الفكرة والتوازي’‘، والتي انطلقت من فكرة عمل نقد ذاتي للمراكز الفكرية،  وإلقاء كل الثقل على كيفية إدارة مراكز الفكر لكيانها الداخلي ثم إلى أهمية تموقع الإعلام في السيرورة اليومية لأداء مراكز الفكر بشكل متواز مع أنشطتها، فالمشكل بالأساس هو مشكل داخلي قبل أن يكون مشكل خارجيا، والذي يعزو إلى غياب استراتيجية إعلامية داخل مراكز الفكرداخليا، ما يضعف تواجدها على المستوى الخارجي، خصوصا أن المتلقي ينجرف أكثر للمعطيات المرئية أكثر منها للأفكار، وبالتالي فالحل من وجهة  نظر هذه المداخلة، هو العمل بشكل  متواز وبطريقة اندماجية ما بين مراكز الفكر والأدواء والآليات الإعلامية المختلفة وتوظيفها لاستقطاب جميع المكونات ثم مواكبة مسار التطورات الإعلامية.

وفي مداخلة له حول “إمكانية استخدام وسائل الإعلام في حمل رسالة مراكز الدراسات للتأثير على صانع القرار”، أقر الدكتور ديدي ولد السالك بأهمية الحضور الإعلامي لمراكز الفكر وضرورة الاشتغال على هذه المسألة عبر ما أفرده من ثلاث شروط أساسية أهمها لتحقيقها، تتجلى في خلق وعي لدى المشتغلين وتأهيلهم في هذا الباب من خلال توظيف ما أتيح وما يتاح في وسائل التواصل والإعلام، ثم الوعي بأهمية تطوير المضامين البحثية عن طريق التشخيص العلمي الدقيق والموضوعي البعيد عن الأيديولوجية والولاء، وأخيرا، إيلاء الاهتمام للقضايا المتعلقة بالتنمية لتحصيل التقارب بينها وبين صانع القرار، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية دون حكامة رشيدة أولا وبحث علمي متطور ثانيا، وتوظيف كل هذه الآليات للتأثير في كل المكونات السياسية والتي لها القدرة على بدء ا بالأستاذ، ثم العسكري ورجل الأعمال وصولا لصانع القرار.

وقد اختتم الدكتور محمد عبد الوهاب العلالي فعاليات هذا اللقاء في مداخلة بعنوان “نحو تكامل لأدوار مراكز البحوث ووسائل الاعلام في نشر المعرفة”، بسؤال أساسي حول مدى وعي مؤسسات الفكر والبحوث بالإمكانات المتعددة لعملية التواصل من داخل الفضاء الإعلامي، منتقلا للحديث بعد ذلك عن توصيف وجرد لطبيعة المراكز وأنواعها ومختلف وظائفها، وفي شق ثالث تحدث عن أهمية الوعي بالانفتاح على الجانب الإعلامي عبر اتخاذ طرق وسبل كفيلة بإيصال رسالتها لصانع القرار، كما أشار للعلاقة التي تربط بين مؤسسات الفكر والبحوث والتي تتسم بالضعف نسبيا على مستوى الحضور لمراكز الفكر على الرغم من تعدد القنوات الإعلامية وعدم الاهتمام بالباحثين والخبراء والمفكرين بشكل كاف والهروب من استقطابهم للشاشات التلفزيونية، نظرا لعدم تمكنهم من جلب وإثارة الجمهور على الرغم من  أهمية الجهود وجودة المخرجات التي تنتجها هذه المراكز والتي تخدم أساسا القضايا الكبرى المتعلقة بمختلف المجالات التنموية وخدمة الأمة العربية ككل, ليخلص أخيرا إلى أنه يتوجب على مراكز البحوث الاشتغال بشكل جدي وضرورة عمل ضغط على وسائل الإعلام المختلفة للوصول واختراق صانع القرار وإيجاد موطئ قدم لديه عن طريق تسهيل آليات اشتغالها والتبسيط في عملية تقديم الإنتاجات الفكرية والبحثية وتسويقها بشكل يتيح للمتلقي الفهم السلس والتفاعل وجعلها في متناول العموم.

وقد عرف هذا اللقاء تفاعلا مع مختلف المداخلات، بطرح لمجموعة من التساؤلات والتحديات التي تواجه مؤسسات الفكر والبحوث في مجال التسويق الإعلامي لرسائلها وتهميش دورها والتعاطي الضعيف لصناع القرار مع مخرجات الأبحاث والدراسات التي تقوم بها، حيث يرى البعض أن السبب لا يرجع فقط لكونها لا تستجيب لحاجياتهم ورغباتهم بل كذلك بالشعور بالنقص الذي يحسه صانع القرار اتجاه مراكز الفكر، كون أن أغلب صناع القرار غير مؤهلين وغير قادرين فكريا مع التعاطي مع المخرجات العلمية لهذه المراكز والتي تضم نخبا من المفكرين والباحثين المؤهلين فكريا وعلميا. فيما اعتبر آخرون أن هذا التراجع يرجع إلى ضعف ونقص القدرات الإعلامية للمراكز الفكرية في هذا الجانب ما يضعف الترويج بشكل جيد لرسالة المؤسسة وبالتالي ضعف التأثير في صناعة القرار.

كما تم التساؤل عن أسباب غياب وضعف حضور المراكز الاستشرافية في الوطن العربي، والتي تمثل أداة رسمية في الدول المتقدمة، وكيف يمكن تفعيل هذه المسألة وإيجاد اليات ومخرجات تمثل رؤى استشرافية تغري صانع القرار في التعاطي معها في ظل تفشي إعلام يبحث عن الإغراء والإثارة، فغياب المراكز الاستشرافية  ضعف تواجدها في الوطن العربي، يرجع أولا لحداثة تجربة هذه المراكز في العالم ما يقتضي التوفر على بينية وخبرة مؤسسية مهمة للانفتاح على هذا المجال الجديد، ثانيا، أن هذه المراكز الاستشرافية تحتاج تمويل كبير لما يتطلبه العمل الميداني والدراسة المسحية من مجهود لتوفير قواعد بيانات واعتماد معطيات ميدانية دقيقة علمية وموثوقة لتوظيفها في عملية الاستشراف، ثالثا أن، الحكومات وكذا قطاع الاقتصاد وقطاع رجال الأعمال، القطاع المدني، هي السباقة للمطالبة بهذه الدراسات الاستشرافية على مجموعة من المستويات كالتحول الطاقي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، البيئي….

وقد خلصت الندوة بطرح مجموعة من التوصيات والمخرجات والتي يمكن تلخيصها كالآتي:

  • أنه كلما كانت مراكز البحوث والفكر ذات مصداقية عالية كلما كان لها تأثير أكبر وتبني مخرجاتها رسميا من قبل صانعي القرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
  • ضرورة تواجد قيادة جامعة للعمل الإعلامي داخل مراكز الفكر والبحوث مع الحرص على أن يتواكب العمل المؤسسي داخل المركز الفكري مع ما يمكن أن يضمن الاستدامة ويجمع بين حلقتي الأثر والإثارة.
  • العمل على استبانة قياس رأي عام حول كيف يمكن أن يتلاءم الفصل الإعلامي مع ما تستهدفه المراكز البحثية من طرح لآراء أو تصورات حول ما يمكن أن يؤثر على صنع القرار السياسي في الشارع العربي، لتكوين وعي عربي جامع اتجاه ما يشتغل عليه من قبل المراكز البحثية.

الحق في امتلاك المعرفة وتعميمها على مجموع مكونات المجتمع شريطة أن تكون مبنية على أسس علمية وموثوقة تخدم التنمية


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...